المجتمع المدني - يطالب بحقوقه

الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني

الثلاثاء، 12 مايو 2009

تعددت واختلفت وتناقضت كثيراً المقاربات العربية للديموقراطية ولمفهوم المجتمع المدني، وبافتقادها الى الدقة والمنهجية في الخليج العربي. وذلك أن الذهنية العربية لم تخبر تحولاً كيفياً مقارباً لذلك الذي خضعت له الذهنية الأوروبية من حيث معايشتها الحقيقة لتجربة الحداثة وصعودها المتواتر منذ عصر النهضة حتى الآن. ولكن ربما يكون ما يميز مقاربات كتاب الباحث باقر سلمان النجار، أنه الأكثر أهمية في قراءة المجتمع العربي الخليجي، وطبيعة مؤسسة الدولة وعلاقتها بمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في كل من: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، قطر، البحرين، عمان.

ففي ٢٦٤ صفحة وعشرات البيانات والجداول، يكشف النجار على ان المجتمع المدني حقيقة قائمة ومتفصلة في الخطاب السياسي للدولة وقوى المجتمع السياسية. وهذه حقيقة بدأت تدرك أن المتغيرات المحلية والإقليمية التي قاربت الكارثية في العراق، إضافة الى المتغيرات الدولية بمعطياتها الاقتصادية والمعلوماتية والتكنولوجية والسياسية، تفرض على كل أطراف المجتمع والدولة قدراً غير عادي من التكيف، كما أنها تدفع باتجاه إحداث تغيرات بنيوية في هيكل الدولة وآليات عملها فضلاً عن إحداث إصلاحات نوعية في خطابها السياسي ورموزها البشرية.

لاشك في أن التقارب الذي فرضته قوى العولمة بين شعوب المجتمع الإنساني في مجال الثقافة والقيم لا يخلو من مضامين سياسية، وهو ما جعل من فكرة المجتمع المدني اللاسياسي، مقولة تحمل قدراً كبيراً من التبسيط والسذاجة، تماماً كقول البعض بأن التحولات الكونية الهائلة في مجالات الدولة والسوق هي تحولات مفرغة من مضامينها وأهدافها السياسية والثقافية. فقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمواطنة والمجتمع المدني هي قيم كونية تمثل الركن الأساسي في التحولات الكونية، لا يمكن نزع أحدها عن الآخر كما لا يمكن المضي دونها.

وعلى الرغم مما يطرحه البعض من فكرة أو ممارسة استقلالية الدولة عن المجتمع المدني في الغرب، فإن واقع التجربة الأوروبية يشير، الى أن نشأة المجتمع المدني وتطوره في المجتمع الغربي مرتبطة بنشأة تطور الدولة الحديثة. وهذا يعني تحديداً أنه لا يمكننا التفكير في المجتمع المدني مع إقصاء أو إلغاء تامين للدولة فهما في الواقع مجالان ملتحمان التحاماً شديداً وإن بدا للوهلة الأولى أنهما مفترقان.

إن الحوار الدائر حول علاقة الدولة بالمجتمع المدني يمكن إجمالها في خمسة تيارات أساسية:

١ـ التيار الذي يساوي بين المجتمع المدني والدولة، الذي تجد جذوره عند توماس هوبز حيث يقول: »لا يمكن للقانون أن يكون غير عادل. القانون تشرعه القوة ذات السيادة. وكل ما تفعله تلك القوة مبرر ومطلوب.

٢ـ التيار الذي يجعل من المجتمع المدني مجالاً مستقلاً عن الدولة منحصراً في الجماعة/ الجماعات الأهلية التضامنية، كما يراها جون لوك في فكرته/ نظريته عن العقد الاجتماعي، والتي تقول بأن »البشر مستقلون ومتساوون، وليس لأحد أن يلحق الأذى بهم، بحياتهم أو بحريتهم أو بممتلكاتهم«.

٣ـ التيار الذي يجعل من المجتمع المدني مجالاً للتنافس بين المصالح. إذ ينتقد هيغل في كتابه »نقد الفلسفة« نظرية التعاقد الاجتماعي في الدولة، ويعتبرها قاصرة عن تحقيق الأمن والأمان. وعوضاً عن ذلك فإنه يعتبر الدولة المستقلة عن المجتمع هي الدولة المجسدة للحرية.



٤ـ التيار الذي يجعل من المجتمع المدني قاعدة مادية مؤسسة للدولة، حيث استعمل ماركس في مؤلفاته المبكرة مفهوم المجتمع المدني بمعان قريبة من تلك التي جاء على ذكرها هيغل، معتبراً أن المجتمع المدني مجال لتضارب المصالح الاقتصادية وتصارعها وفق القيم البرجوازية.. على أن ماركس في سياق نقده لمثلية هيغل بعد ذلك، نظر الى المجتمع المدني باعتباره الأساس الواقعي للدولة.

٥ـ التيار الذي يجعل من المجتمع المدني ومنظماته مجالاً وسطاً بين ما يسميه السوق والدولة. فغرامشي رأى »أن الثورة الاشتراكية لا يمكن أن تشعل فتيلها الأزمة الاقتصادية الرأسمالية فقط«، وإنما المعطيات الثقافية والسياسية وربما الروحية في بعض الحالات الأخرى. فتحولات المجتمع المدني من حيث بروزه وقوة تأثيره وقدرته على إحداث التغيير لا بد أن تكون مستقلة عن القاعدة الاقتصادية. ويتضح من خلال نظرة غرامشي أن مفهوم المجتمع المدني لديه ليس مجالاً للمنافسة الاقتصادية كما أبرز كل من هيغل وماركس، بل إنه مجال للمنافسة الإيديولوجية.

ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه في سياق هذه الرؤى والوقائع: أين هي منظمات المجتمع المدني في منطقة الخليج العربي؟

للإجابة على هذا التساؤل، يرى الباحث النجار، ان هذه المنظمات جاءت تعبيراً عن قوى وتجمعات اجتماعية وسياسية، وقد شكلت امتداداً لما هو سائد في المنطقة العربية من تيارات وقوى قومية ويسارية وإسلامية. إلا أن حضورها وقوة تأثيرها في المجتمع وصنع القرار في المنطقة تتباين من مجتمع خليجي لآخر. فهي في الحالة الكويتية والبحرينية بدت الأكثر حظوظاً وقدرة على التأثير، وهي برغم وجودها وحضورها في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان تعوزها القوة ويصيبها العجز. أما في قطر والسعودية فهي لا تشكل منظمات مستقلة عن مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، الأمر الذي قاد إلى حالة من حالات الارتباك السياسي وربما الثقافي والاجتماعي وعزز من واقعة حجم الضغوط الخارجية الهائلة التي باتت تتعرّض لها بعض دول الخليج.

لقد أبرزت الأحداث والمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصارخة التي طرأت تحديداً على مجتمعات المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين منذ حقبة التسعينيات حتى الآن، حجم المشكلات والمعضلات التي تعانيها الأنظمة الخليجية في علاقتها بالمجتمع، وهي في تصاعد كبير كما أن قدرتها، أي دول المنطقة، على الإتيان بحلول/ حل حقيقي لمشكلاتها المتزايدة في الكثرة والاتساع لا تبدو أنها في جلها ناجحة. ورغم ما يحمل هذا من تشاؤم وانكسار في الأمل، إلا أن هذا يجب الا يمنع من القول إن دول الخليج خضعت في السنوات العشر الأخيرة لقدر من الانفتاح السياسي، نقل الحالة السياسية فيها لوضع جديد بعد تقليص الدور الأمني للدولة وبروز أدوار أخرى لقوى ومنظمات المجتمع المدني برغم عدم تبلوره وتجذره بشكل كبير وواضح.

من الطبيعي القول إنه لا يمكن منع المنظمات الأهلية في أي مجتمع ديموقراطي من ممارسة الأنشطة السياسية. وهي المسألة المحورية في تأسيس وتشكيل المجتمع المدني. فالممارسة الديموقراطية قد لا تكتمل إلا بوجود مجتمع مدني حر في فعله الاجتماعي والسياسي والثقافي. كما أن الديموقراطية لا تكتمل إلا بتشكيل منظمات وأحزاب سياسية والانتقال بالمجتمع وإدارة الدولة من إطار وفضاء المنظومات والتضامنيات التقليدية إلى التشكيلات الحداثية التي من خلالها تتم عملية الفعل الديموقراطي.

([) كاتب سوري

كتاب : باقر سلمان النجار، »الديموقراطية العصية في الخليج العربي«، »دار الساقي«، .٢٠٠٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق