المجتمع المدني - يطالب بحقوقه

الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني

الثلاثاء، 12 مايو 2009

المجتمع المدني في المملكة العربية السعودية 2 ـ 2
عندما طالب إسماعيل الشطي بإصلاح الديمقراطية الكويتية واستكمال ركائزها، حتى «لا تتحول النعمة إلى نقمة»، وضع احدى الركائز تطوير مؤسسات المجتمع المدني، وهذه المؤسسات لا حصر لها في عالمنا العربي. وفي كتب السياسة يندرج الكثير منها تحت مسمى «جماعات المصالح»، وهي جماعات منظمة من الأفراد تجمعهم مصلحة أو رابطة موحدة ويهتمون بتنمية مصلحتهم وحمايتها بواسطة التأثير في الرأي العام من جانب، وممارسة الضغط على صانعي القرارات الحكومية من جانب آخر.

وفي المملكة العربية السعودية، نقصد بالمجتمع المدني، مجتمع قوامه مؤسسات مدنية تتمثل في جماعات مصالح لها غايات وأهداف مختلفة، وتبرز هذه المؤسسات المدنية لتشكل في مجموعها المجتمع المدني السعودي، الذي يسعى ما أمكن للاستقلال عن المجتمع الرسمي في الدولة. وجماعات المصالح، قد تكون جماعة مصالح خاصة (الغرف التجارية)، أو جماعات مصالح عامة (الجمعيات الخيرية)، وفي كلتا الحالتين، يسعى كل منهما للاستقلال في نشاطه بغية تحقيق مصالحه وأهدافه.

تمثل الغرف التجارية في المملكة، طلائع المجتمع المدني السعودي، فهذه الغرف لها كيانات مستقلة عن المؤسسة الرسمية، وتمول نشاطاتها من إيراداتها الذاتية، ولها نشراتها الخاصة، ومراكز بحوث ودراسات تبحث في كل ما له صلة بنشاطها ويخدم مصالح أعضائها، وتقوم بتواصل مستمر مع الحكومة للضغط من أجل تحقيق مصالح أعضائها، وتحدد مواقفها تجاه الوضع التجاري والاستثماري في المملكة، وتقدم رؤى وأفكارا حول السياسة العامة للدولة من منظور وطني، بيد أنه يخدم في الوقت نفسه مصلحة أعضائها. وتنتخب هذه الغرف مجالس اداراتها، وكذلك رئيس مجلس الادارة. ويمكن القول إنه في الوقت الحاضر، تمثل الغرف التجارية أوضح حالة للمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية، ومع الانفتاح السياسي الحاصل في الدولة السعودية، ومع تبني الحكومة السعودية نهج الخصخصة يتوقع أن يزداد دور الغرف التجارية السعودية في التأثير في القرار السعودي بما في ذلك القرار السياسي.

أما المؤسسة الأخرى في المجتمع المدني السعودي، فتتمثل بالجمعيات الخيرية. وهذه الجمعيات، أقل تنظيماً وانضباطاً من الغرف التجارية، بيد أنها تعتبر أقوى مؤسسة مدنية فاعلة في المجتمع السعودي. وتصنف هذه الجمعيات ضمن جماعات المصالح ذات النفع العام للمجتمع، وتتنوع هذه الجمعيات بتنوع أهدافها والتي منها: مساعدة الفقراء والمحتاجين، بناء مساكن لذوي الدخل المحدود، العناية بالمرضى والمعوقين، بناء المساجد، وتحفيظ القرآن للناشئين، وغير ذلك من الأهداف والغايات العامة. وتنتشر هذه الجمعيات بكل مدن وقرى المملكة، بل وفي كل حي من أحياء المدن. ويقدر عدد المستفيدين من هذه الجمعيات الخيرية، بمئات الآلاف، وهي تمثل أقوى قوة اجتماعية منظمة من حيث عدد العاملين فيها، والمستفيدين منها، ومن حيث اختراقها للمجتمع السعودي.

وظهرت في المجتمع السعودي في السنوات الأخيرة، الجمعيات العلمية، التي تأسست تحت إشراف إحدى الجامعات السعودية، لكنها تتمتع بالاستقلالية. وهذه الجمعيات العلمية هدفها علمي بحت، يتمثل في تفعيل التواصل العلمي بين الباحثين والاكاديميين المهتمين في حقل معين من حقول المعرفة العلمية، وذلك من خلال تنظيم اللقاءات واصدار النشرات العلمية. ويتم انتخاب اعضاء مجلس الإدارة لكل جمعية، وكذلك رئيس مجلس الإدارة.

كما ظهرت في المجتمع السعودي، كيانات مهنية جديدة، هي أقرب ما تكون إلى الاتحادات المهنية، مثل هيئة المحاسبين القانونيين السعودية، وجمعية المهندسين السعودية. وهدف هذه الكيانات المهنية تنظيم المهنة، ومراقبة نشاطها، ووضع المعايير ذات العلاقة بممارسة المهنة، واصدار تصاريح الدخول إلى المهنة. ويتم انتخاب اعضاء مجلس هذه الكيانات المهنية، كما أنها تمول ذاتها وتعمل باستقلالية نسبية عن الجهات الرسمية.

وأعلن أخيراً في المملكة، عن تأسيس مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. وهدف هذا المركز، اشاعة ثقافة الحوار في المجتمع والدفع باتجاه تقبل الرأي الآخر في الحوار الوطني، كما يعمل المركز على بلورة رؤى وأفكار وطنية مشتركة تنبع من نخب مختارة من مناطق المملكة كافة، ومن مختلف ألوان الطيف الثقافي والنسيج الاجتماعي. وتتفاعل هذه النخب في لقاءاتها لتتعامل مع كل ما يستجد في المجتمع من ظواهر وما يبرز فيه من تحديات. وبعد حوار جاد وموضوعي، يقدم المشاركون في الحوار توصياتهم إلى القيادة السعودية.

ان ما سبق ذكره من مؤسسات مدنية قائمة تتسم جميعها بأنها قامت بمبادرة ذاتية من المواطنين، ولهم حق الانتماء إليها والانسحاب منها، وتمول نشاطاتها من خلال إيراداتها الذاتية، التي تأتي على شكل رسوم، أو اشتراكات، أو تبرعات، وتعمل باستقلال نسبي عن المؤسسة الرسمية في الدولة، كما أنه مشهود لها بدورها في تفعيل المشاركة الاجتماعية في المجتمع سواء للدفاع عن مصالح خاصة لمجموعة أو تقديم خدمات ومنافع عامة للمجتمع. وباختصار، انها حقاً تمثل مظهر المجتمع المدني ولا يقل أهمية عن المؤسسات المدنية السابقة. ما أعلنته الحكومة السعودية أخيراً عن النية في قيام مؤسسات مدنية جديدة بالمملكة، تتمثل في هيئة الصحافيين السعوديين، واللجان العمالية، واللجنة الأهلية لحقوق الإنسان. وتكمن أهمية هذه المؤسسات المدنية الجديدة، في أنها تمثل نقلة نوعية كبيرة سواء في نهوض المجتمع المدني السعودي أو في دفع مسيرة التحديث السياسي في المملكة. وما يميز هذه المؤسسات الجديدة، عن غيرها، أنها تهتم بالحقوق والحريات للمواطن السعودي، وهذا ما ينتظره المواطن، حيث ان نيله لهذه الحقوق والحريات أساس لا غنى عنه لأية مشاركة سياسية، كما ان المؤسسات المدنية الجديدة متى ما قامت ومارست نشاطها المتوقع، ستدخل المجتمع السعودي في ديناميكية سياسية غير مسبوقة، وستضع القيادة السعودية والمجتمع السعودي في حراك سياسي وتفاعل إيجابي غير معهود من قبل في الدولة السعودية. وكان بودي أن أشمل هذه المؤسسات المدنية الجديدة في هذه المقالة، بيد أن الموضوعية في العرض تفرض الانتظار حتى قيام هذه المؤسسات وممارستها لنشاطها.

ومن المهم جداً أن يدرك المواطن السعودي، خصوصاً النخبة، أهمية مؤسسات المجتمع المدني في التحديث السياسي. ففي الولايات المتحدة الأميركية، تقوم مؤسسات المجتمع المدني التي تأخذ مسمى «جماعات المصالح» أو «جماعات الضغط»، بدور سياسي موثر جداً في صنع القرار الأميركي، يفوق دور الأحزاب السياسية الأميركية، التي لا نسمع ولا نقرأ عنها إلا عند الانتخابات الرئاسية. وفي بريطانيا، تحولت إحدى مؤسسات المجتمع المدني، وهي نقابة العمال البريطانية، الى حزب سياسي مهم «حزب العمال»، حينما قررت الحركة العمالية البريطانية أن يكون لها دور وتمثيل في البرلمان البريطاني.

لقد أعلنت القيادة السعودية قبل فترة وجيزة، عن النية في إجراء انتخابات بلدية في المملكة خلال عام. وفي مقالة سابقة (الانتخابات البلدية: خطوة سعودية على طريق التحديث السياسي)، باركت للحكومة السعودية اتخاذها هذه الخطوة لما في ذلك من تفعيل لدور المدن السعودية في التنمية السياسية. ولتحقق هذه الانتخابات هدفها السياسي المنشود، ولكي تتفادى المملكة ما وقعت به بعض الدول النامية من أخطاء مرحلية مدمرة، نأمل من القيادة السعودية أن تسارع في نهوض المجتمع المدني في المملكة من خلال رفع أداء مؤسساته القائمة بالفعل والإسراع في تفعيل ما أعلن عنه من مؤسسات مدنية جديدة، خاصة أن المؤسسات الجديدة تسعى إلى إرساء العديد من الحقوق والحريات في المجتمع السعودي، التي ستشكل بعون الله وتوفيقه القاعدة المدنية للتحديث السياسي في المملكة.

* عضو مجلس الشورى السعودي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق