المجتمع المدني - يطالب بحقوقه

الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

"المجتمع المدني" في الفكر العربي: غياب الاقتصاد والسياسة

يهيمن على الأدبيات العربية المتداولة حاليا، موقفا قوامه أن المجتمع المدني هو شرط قيام نظم ديمقراطية وضمانة ترسخ الحريات السياسية والحقوق المدنية وتجسيدها. لكن هذا الرأي ينضوي على تبسيط مضلل للعلاقة لكل من الدولة والمجتمع المدني. فهو يقفز عن حقيقة أن لا مضمون للمجتمع المدني بدون حضور الدولة. وهو يختزل الدولة إلى الحكومة (السلطة التنفيذية)، متجاهلا (غياب أو حضور) كل من السلطتين التشريعية والقضائية. كما ينظر للدولة كجسم متجانس وموحد دون توترات وصراعات وتباينات. كما ينظر إلى المجتمع كجسم موحد وتناسق الوظائف والمهام دون توترات وصراعات وانقسامات.

وهي رؤية تتجاهل التنوع الشديد في منظمات المجتمع المدني من حيث وظائفها والفئات الاجتماعية التي تتوجه إليها أو تسعى لتمثيلها أو لتنظيمها، ومن حيث مصادر تمويلها، وفلسفتها ، وبنيتها الداخلية، وظروف نشأتها. كما تميل هذه الرؤية إلى وضع المنظمات المدنية خارج المجتمع عبر النظر إليها كأجسام تقدم خدمات أو تتولى نشاطات تنموية أو خيرية أو تقوم بتنظيم وتأطير جمهور معين أو تمارس نشاطات دفاعية وإعلامية من فوق أو من جانب أو خلف المجتمع. أي أنها لا تنظر إلى المنظمات المدنية كجزء من تشكيلة مجتمعية بتكويناتها الاجتماعية السياسية والاقتصادية والثقافية، وباعتبار هذه التشكيلة تقييم في فضاءات سياسية-اقتصادية إقليمية ودولية لها استحقاقاتها وتفاعلاتها وتناقضاتها.

كما تميل مثل هذه الرؤية للمجتمع المدني إلى إختزال وتنميط علاقاته بالدولة. وهي علاقات تأخذ، في الواقع، أشكالا متنوعة ومتغيرة ومعقدة في معظم الأحيان. ويسري هذا الميل للتنميط التبسيطي على علاقة منظمات المجتمع المدني مع بعضها البعض. وهذه علاقات تتنوع في العادة لتشمل التنسيق أو التنافس أو الصراع وفق نشاطها وفلسفتها لدورها ومصادر تمويلها وتكوين وحجم قاعدتها الاجتماعية.

تختزل معالجة علاقة الدولة بمنظمات المجتمع المدني، إلى علاقاتها بما يعرّف بـ "المنظمات غير الحكومية"، مما يستثني، أو يساوي في الدور، منظمات "مجتمع مدني" أخرى ذات أهمية خاصة لمفهوم المواطنة كالأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات الشعبية والمهنية والحركات الاجتماعية الأخرى، بالإضافة إلى الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى والغرف التجارية والصناعية والجامعات والمعاهد العليا. أي أن منطلق بحث العلاقة يستدعي إدراك تنوع منظمات المجتمع المدني، وأبعاد هذا التنوع على العلاقة مع السلطة المركزية. كما يتطلب إدراك التغير الذي تدخله الدولة على الحقل السياسي الوطني في مجال المؤسسات الرسمية و الإدارات العامة والأجهزة الأمنية والعسكرية، والنظام القضائي والتشريعي. وما تفعله هذه من تحولات في البنية الاقتصادية للمجتمع، ليس فقط من حيث أنها (أي الدولة) تشغل نسب متفاوتة (وعالية في معظم الدول العربية)، من القوى العاملة، بل وكذلك من حيث فعلها في الاقتصاد الوطني وبنيته، من حيث حجم ودور وسمات القطاع الخاص. أي أن الدولة القومية أو الحديثة لها وقع تراكمي على تشكل البنية الطبقية والاجتماعية، ولهذه تأثيرها على تكوين المجتمع المدني (أحزاب، نقابات، غرف تجارية وصناعية، منظمات خيرية) وكثافته.

كما أن بنية الاقتصاد الوطني وموقعه في شبكة العلاقات الاقتصادية الإقليمية والدولية له تأثيراته القوية على منظمات المجتمع المدني وكثافة حضورها ومجالات هذا الحضور والمصالح التي تمثلها المنظمات المدنية ومراكز القوى التي تستند إليها وموازينها، وأشكال الصراع و التفاوض التي تجري بين هذه لتحديد قوانين اللعب في الحقل السياسي، وبالتالي شكل نظام الحكم. والعلاقة بين مراكز القوى في المجتمع وموازينها هي التي تحدد، في المحصلة، ديمقراطية أو لاديمقراطية النظام السياسي، وليس عدد المنظمات المدنية أو مجموع ما تقوم به من وظائف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق