المجتمع المدني - يطالب بحقوقه

الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني

الأحد، 29 مارس 2009

في غلبة المجتمع الأهلي على المدني في العالم العربي
التاريخ: Wednesday, April 16
اسم الصفحة: دراسات في المجتمع المدني


خالد غزال :-
يدور سجال في العالم العربي منذ سنوات حول سبل تحقق الديموقراطية وشروط الدخول في الحداثة. يجري استحضار العقبات التي تنتصب في وجه هذا المسار، لاسيما منها العقبات البنيوية الداخلية. يشكل ضعف المجتمع المدني او غيابه احيانا حلقة اساسية في هذا المجال، كما يمثل سيادة وطغيان المجتمع الاهلي عنصرا مقررا في هذا السجال، وهو امر يفتح على شروط تحقق المجتمع المدني والمعوقات التي تقف في وجه غلبته.

يفترض المجتمع المدني، اولا، الدولة كاطارسياسي تجد الامة تعبيرها من خلاله. يطرح اهتزاز الدولة في الوطن العربي وتصدعها الراهن اسئلة حول اسس نشوئها وطبيعة تكونها. من المعلوم ان الهزائم التي منيت بها بعض الانظمة وعجز غالبيتها عن تحقيق البرامج الاصلاحية الموعودة زعزعت مقومات الدولة العربية ، انظمة وكيانات، ووضعتها امام تحديات عسيرة كان اصعبها مدى قدرة الدولة على ان تبقى كيانا سياسيا مؤطرا لقوى المجتمع ولمؤسساته السياسية والمدنية والاهلية.
ويجد هذا الامر تفسيره من خلال العجز عن بناء دولة بمعناها الحديث لحساب قيام سلطة مستندة الى الاجهزة الامنية او الى البنى التقليدية السائدة، مما يعني اعاقة لمسيرة تكون مجتمع مدني فاعل. يشكل تجاوز المجتمع الاهلي المستند الى مكونات ما قبل الدولة مقياسا لدرجة تقدم المجتمع المدني وبالتالي مسيرة الديموقراطية. ينعكس التصدع في موقع الدولة العربية انتعاشا متجددا لعناصر المجتمع الاهلي.
فقد ورث العالم العربي بنى اجتماعية شديدة التنوع تمثل الانتماءات العشائرية والقبلية والعرقية والطائفيةاسس بنيانها السياسي والاجتماعي. تملك هذه البنى موروثات ثقافية وتقاليد تغرس جذورها عميقا في هذه البنى وتحدد اتجاهات الحياة السياسية والاجتماعية. تسببت مراوحة مشروع التحديث العربي وتراجعه في فوران هذه الموروثات وحلولها مقام الدولة في المهمات والقضايا العامة بحيث تحولت الملجأ البديل للمواطن العربي.
نجم عن ذلك ارتداد المجتمع الى اشكال من السلطوية القائمة على هيمنة فئوية او فردية، والى تصاعد النبذ والتناحر بين هذه المكونات وغياب ثقافة التضامن والاعتراف بالاخر. وفي هذا الاطار انبعثت قضية الاقليات واتخذت حجما يؤشر الى اخطار كبيرة في المستقبل. من الطبيعي في هذا المناخ ان تتراجع المؤسسات المدنية لتخلي الساحة الى انتماء عضوي للفرد الى طائفته او عشيرته.
لم يكن غريبا في هذا السياق رؤية البنى الاهلية وهي تكتسح الاحزاب السياسية والنقابات المهنية والجمعيات التي تشكل الاسس التي ينهض عليها المجتمع المدني ويفعل من خلالها. تعاني هذه المؤسسات في الاصل معضلة حرية عملها والقيود المفروضة عليها، وهو امر مرتبط بحدود المساحة الديموقراطية المسموح بها في العالم العربي والمدى المتاح لها في تكوين حيز خاص لعمل هذه المؤسسات.
تتجلى ابرز النتائج في ازدهار الاحزاب ذات الانتماءات الطائفية او العرقية، وحجم اختراق الانقسامات المذهبية للنقابات والاتحادات المهنية وسيطرة الجمعيات الاهلية ذات الصبغة الدينية او الاثنية على مجالات العمل الاجتماعي. تقدم الاوضاع السائدة في لبنان والعراق امثلة فاقعة على هذه الوجهة، مع الاشارة الى ان هذين البلدين ليسا فريدين في بابهما، لان الكثير من البلدان العربية تحوي نماذج مماثلة قابلة للانفجار عند اي تصدع في كياناتها او ازالة القبضة الديكتاتورية عنها. تشكل المنظمات غير الحكومية ومعها المنظمات البيئية روافد مجتمع مدني قيد التكون.
تواجه هذه المنظمات مشكلتين اساسيتين، الاولى في سعي السلطات القائمة الحد من استقلاليتها والعمل على التدخل في عملها او الحاقها بمؤسسات السلطة كليا او جزئيا، والثاني زحف البنى التقليدية للهيمنة عليها وتصنيفها فئويا.
في كلا الحالتين يتسبب هذا التدخل في تقليص الحيز الخاص لهذه المنظمات وبالتالي تهميش دورها كمؤسسات مدنية. يمثل الاعلام واحدا من عناصر القوة المفترضة والدافعة الى تكون المجتمع المدني. كسرت ثورة المعلومات منطق الرقابة وتجهيل الشعوب بحقائق الممارسات السلطوية، وحصرت وسائل اعلام الدولة في مجال ضيق.
تسبب اختراق الاعلام للحياة العامة والخاصةالى كسر الكثير من حواجز الهيمنة وساهم في ادخال الوعي السياسي الى اوسع الفئات الشعبية، كما ساهم الى حد واسع في تفاعل قوى المجتمع العربي والتعرف الى المشكلات القائمة فيه. على رغم هذا الهامش من الحرية المفروضة، ما زال في مكنة السلطة القائمة الحد من حرية هذا الاعلام ووضع قيود على تعبيره وفرض رقابة ما تزال ذات فاعلية على برامجه المخالفة للسياسات العامة.
يطال هذا التدخل ما هو مسموح وممنوع بثه في وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة. وعلى رغم ان الانترنت بات يشكل وسيلة تملك حرية اكبر في استقبال المواد او بثها ويتيح تواصلا اكبر بين الجهور العربي، الا ان السلطات تبتكر من الوسائل الرادعة دوما في اطار تحديد ما يجب معرفته من المواطن العربي. لكن الاعلام نفسه يلعب احيانا كثيرة دورا معيقا لتكون المجتمع المدني من خلال البرامج المكرسة لاعادة انتاج الثقافات التقليدية التي تستحضر العصبيات الطائفية والعشائرية والقبلية، وكذلك البرامج المحرضة على العنف والكراهية ورفض الاعتراف بالاخر.
وتحتل درجة التطور الاقتصادي اهمية كبيرة في نشوء المجتمع المدني وتقدمه. يشكل الفقر مادة معيقة لهذا النمو، لان الفقر ارض تزدهر فيها عوامل العنف والتطرف، كما يشكل موئلا لثقافات سياسية واجتماعية بعيدة عن منطق العقلانية. يشكل اقتران انبعاث موروثات ما قبل الدولة بارتفاع منسوب الفقروالامية في العالم العربي اخطارا تهدد بنيان الدولة وكيانها في كل قطر، فانهيار الدولة يشكل الخطر الاكبر على وجود وفاعلية المجتمع المدني ويضع مقدرات البلد المعني في قبضة البنى التقليدية.
وتبدو العلاقة شديدة الترابط اكثر من اي وقت مضى بين ثلاثة مكونات: الدولة والديموقراطية والمجتمع المدني. يشكل العداء للدولة عنصر اعاقة لامكان تحقيق الديموقراطية ونشوء مجتمع مدني. كما يؤدي اهتزاز الدولة او انحلالها الى سيادة سلطات اهلية وميليشيات تتسبب حكما في الغاء الديموقراطية والهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني .
وعندما يسود العنف في المجتمع وتهتز بنى الدولة يصبح عسيرا كل امل في تكون مجتمع مدني يتجاوز الموروثات الاهلية ويساهم في تحقيق الديموقراطية.








هذا الخبر من موقع مرافىء
http://www.marafea.org

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق