أعمدة
أين نحن من المجتمع المدني العالمي؟
سبيكة النجار
برز مفهوم المجتمع المدني العالمي في سياق التحولات التي شهدها العالم، إثر انهيار المعسكر الاشتراكي، حيث لعبت المنظمات غير الحكومية دوراً متزايداً وأكثر تأثيراً في مسار التحولات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وبينما ربط بعض المختصين هذا الظهور بالعولمة الاقتصادية، ربطه فريق ثالث بالنضال من أجل العدالة والديمقراطية والسلام العالمي. ويمكن إرجاع الإرهاصات الأولى لبروز دور فاعل للمجتمع المدني العالمي إلى مؤتمر دربان لمناهضة العنصرية، حيث تكاتفت جهود المنظمات غير الحكومية في فضح الممارسات العنصرية لإسرائيل والدور المساند الذي تلعبه الولايات المتحدة في هذا الشأن. إلا أن حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما تبعه من سياسة واشنطن بشن حرب على أفغانستان تحت شعار محاربة الإرهاب قد غطى على الدور المؤمل أن تلعبه المنظمات غير الحكومية، وبالتالي زادت حدة التشاؤم بفاعلية المجتمع المدني في الدفع بإحداث التغيير المطلوب نحو الديمقراطية والسلام العالمي.
وقد شكل يوم الخامس عشر من فبراير/ شباط 2003 نقلة نوعية في تاريخ المجتمع المدني العالمي، وذلك عندما تظاهر الآلاف في أكثر من ستة آلاف مدينة من نحو 70 دولة منددين بالحرب التي تزمع الولايات المتحدة شنها ضد العراق. وقد خرجت أضخم التظاهرات في الدول الحليفة لواشنطن كأستراليا وبريطانيا. يقول مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، محمد سعيد نائب، إن هذا اليوم قد ‘’فرض نفسه على أكثر المتشككين في مفهوم المجتمع العالمي باعتباره يوماً فريداً في تاريخ العالم وظاهرة لا يضاهيها شيء في تاريخ البشرية أو واقعها الحديث[1]’’. وهو يحدد أهمية هذا التحرك العالمي في أنه لا يعبر عن مصلحة ذاتية أو مصلحة قومية أو اجتماعية وإنما يعبر عن رؤية أخلاقية ذات جوهر إنساني ضد الامتياز الذي تتمتع به دول الغرب بما في ذلك امتياز شن الحروب على الآخرين وعلى الشعوب الضعيفة كما هو الحال في العراق. وبهذا المنطق فإن التحرك العالمي ذاك تسامى على المصالح الضيقة وتعدى الحدود القومية. ويختلف هذا التحرك عن غيره من التظاهرات الشعبية في نوعية قياداته، إذ قادته منظمات حرصت على التنسيق فيما بينها لترفع شعاراً واحداً هو ‘’ليس باسمنا’’ (Not in our Name).
ولم يقتصر دور المجتمع المدني العالمي على مناهضة الحروب، بل فرض أجندته على قضايا حيوية مثل مكافحة الفساد، كما ساهم في تعديل مسارات التنمية وناضل من أجل حماية البيئة، وطور العمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وامتد دوره إلى محاربة الألغام والتجارب النووية.
وقد استفاد المجتمع المدني العالمي من التطور التكنولوجي وثورة وسائل الاتصالات والنقل والسياحة، ما ساعد على سهولة الاتصال بين المنظمات غير الحكومية في العالم والتنسيق في مواقفها من أجل تبني أجندة موحدة تتمحور حول قضايا السلم والعدل والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويمكن تلمس دور المجتمع المدني العالمي أثناء المؤتمرات العالمية للأمم المتحدة، حيث أصبح حضوره ضرورياً لنجاح تلك المؤتمرات، كما غدت منظمات الأمم المتحدة أكثر حرصاً على استشارة المنظمات غير الحكومية في مختلف القضايا التي تهم العالم. وقد ساعد على ذلك وجود شبكات عالمية فاعلة تضم مختلف منظمات المجتمع المدني في العالم نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المنتدى الاجتماعي العالمي ومنظمة الشفافية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان كالفيدرالية الدولية ومنظمة العفو وشبكات حماية البيئة. وقد أصبحت بعض تلك الشبكات شريكاً أساسياً للمنظمات الدولية، فالبنك الدولي مثلاً يستعين بمنظمة الشفافية العالمية في مكافحة الفساد.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما موقع منظمات المجتمع المدني العربية في المجتمع المدني العالمي؟ وهل حقاً يوجد مجتمع مدني عربي موحد وقوي قادر على لعب دور فاعل في داخل الشبكات العالمية؟. للإجابة على هذين السؤالين لابد من معرفة الإشكالات والتحديات التي تواجهها منظمات المجتمع المدني، والتي من أهمها مركزية الدولة وعدم وجود ديمقراطية حقيقية، ومحاولة الحكومات العربية الحد من حركة المجتمع المدني، بحيث تضمن ديمومة الأنظمة السياسية في بلدانها. وتتفنن الحكومات العربية في تقييد منظمات المجتمع المدني بقوانين أقل ما يقال عنها إنها قمعية وتضع تلك المنظمات تحت مجهر المراقبة الأمنية الصارمة. وبالنتيجة لم تتمكن منظمات المجتمع المدني العربية من الوصول للتنسيق المطلوب في التحضير وإدارة التظاهرات المناهضة للحرب على العراق مثلاً، بل وقمعت السلطات الأمنية تلك التحركات في أكثر من بلد عربي، وذلك أما إرضاء للولايات المتحدة أو خوفاً من تحولها إلى احتجاجات ضد النظام السياسي القائم.
وتعاني غالبية منظمات المجتمع المدني العربية من ضعف مواردها المالية وذلك بسبب إحجام القطاعين العام والخاص عن دعمها[2]، ما يضطرها إلى البحث عن مصادر تمويل من الخارج، وهذا في حد ذاته سلاح ذو حدين، فمن ناحية فإنه يتيح الفرصة للدول المانحة من فرض أجندتها على المنظمات العربية، ومن ناحية ثانية يعرض تلك المنظمات إلى تشويه سمعة قياداتها واتهامها بالعمالة لقوى أجنبية.
وتتعدد المشكلات التي يعاني منها المجتمع المدني العربي منها ما يتعلق ببنائها الداخلي وسيطرة أفراد معينين على قيادتها، إضافة إلى غلبة المصالح الشخصية والولاءات الأيديولوجية والزعامات الفردية وانعدام الديمقراطية في تسيير أمورها، وعجز تلك المنظمات عن التنسيق المستمر مع بعضها بعضاً لخلق شبكات ومنظمات إقليمية قوية ومؤثرة على ساحة المجتمع المدني العالمية، وبالتالي نرى حضوراً ضعيفاً للمنظمات غير الحكومية العربية في المنتديات العالمية، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو على مستوى المجتمع المدني نفسه كما هي الحال في المنتدى الاجتماعي.
وقد ساهم تنامي التيارات الإسلامية في إضعاف حركة منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، حيث تظهر غالبية المنظمات الإسلامية غير الحكومية عداءً وريبة تجاه منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق المرأة، وتتهمها باستيراد الأفكار الغربية الملحدة، بحسب رأيهم. وهي، أي المنظمات الإسلامية، تعارض كثيراً من مبادئ حقوق الإنسان الواردة في المواثيق الدولية، ولا يهمها التنسيق مع المنظمات الأخرى أو العمل من خلال منظومة المجتمع المدني الدولي.
من هنا يمكن القول إن منظمات المجتمع المدني العربية لن تتمكن من الضغط على حكوماتها من أجل تحقيق إصلاح ديمقراطي حقيقي إلا عبر إصلاح نفسها من الداخل، وخلق آلية تنسيق قوية وفاعلة فيما بينها مع ضرورة الانخراط في نضال المجتمع المدني العالمي من أجل السلام والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم من دون تمييز.
[1] د. محمد السيد سعيد، ‘’المجتمع العالمي، الصعود والتحديات’’، 1 أبريل/ نيسان .2004
[2] The Arab NGO Network for Development, A Case Study on Interaction Between Emerging Regional Networking and Global Civil Society.
- باحثة مستقلة وناشطة حقوق إنسان
المجتمع المدني - يطالب بحقوقه
الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق