مقالات وتقارير: المجتمع المدني... والدولة العربية
بقلم : علي حصّين الأحبابي
مما لا شك فيه أن المجتمع المدني يلعب دوراً فعالاً ومهماً في كثيرٍ من الدول والأنظمة السياسية الدولية. وقد اختلفت أدوار المجتمع المدني من دولةٍ إلى أخرى ومن نظامٍ إلى آخر، فتارةً تلعب هذه المنظمات دوراً فعالاً ومؤثراً في دولةٍ ما وتارةً أخرى تلعب دوراً ثانوياً وأقل فعالية وذلك يرجع لعدة عوامل مرتبطة بطبيعة العلاقة القائمة بين منظمات المجتمع المدني والدولة وبالبيئة التي تحيط بهذه المنظمات.
لقد اهتم الكثيرون من العلماء والفقهاء والباحثين بدراسة موضوع المجتمع المدني، حيث إن كثيراً منهم عكفوا على إيجاد مفهوم واضح ومحدد المعالم للمجتمع المدني. ونظراً لأهميته قامت بعض الأدبيات باتخاذه كمدخل لتحليل ودراسة النظم السياسية وفهمها. فقد قام الكثيرون من الباحثين بدراسة تطور مفهوم المجتمع المدني في الفكر السياسي والفلسفي ناهيك عن تطور أشكال المجتمع المدني من خلال وجوده في المجتمعات البشرية مع تباين طبيعة هذه المجتمعات من مجتمعٍ إلى آخر. والتعريفات التي ظهرت لتفسير مؤسسات المجتمع المدني كثيرة ومتعددة في بطون الكتب والأدبيات العربية. فمثلاً يرى بعضهم أنها جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية. وهي في استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث تساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها ولا تسعى بأي حالٍ من الأحوال للوصول إلى السلطة. وإذا نظرنا إلى واقع مؤسسات المجتمع المدني في أقطار العالم العربي فإننا نجد لها دوراً ثانوياً في المجتمع وغير فعال، هذا إذا ما قورن بنظيراتها في العالم الغربي. فالبيئة المحيطة بمثل هذه التنظيمات تختلف عن بعضها البعض ناهيك عن التمايز بين طبيعة النظم السياسية في كلٍ من الشرق والغرب والذي له بالغ الأثر على نشاط المجتمع المدني في كل مجتمع. فطبيعة النظم السياسية الغربية تتبنى النهج الديمقراطي وهذا بدوره ينعكس إيجاباً في تعاملها من خلال علاقة الدولة بالمجتمع المدني أو بالفرد، لأن الديمقراطية تقتضي تفاعل الفرد مع النظام السياسي عن طريق تمتعه بحق المشاركة السياسية بالإضافة إلى السماح بوجود دور فعال للمجتمع المدني يرجع سببه في الحقيقة إلى قلة القيود المفروضة على هذه المؤسسات من قبل الحكومات الغربية كونها تعتبرها مؤسسات تحمي حقوق الفرد ضمن ضوابط دستورية معينة تعمل في فضائها مؤسسات المجتمع المدني بجميع أنواعها. والتقارير الدورية المختصة في رصد فاعلية نشاط المجتمع المدني في العالم العربي توضح عدم قدرة منظمات المجتمع المدني على العمل بشكلٍ صحيح، وذلك لأن طبيعة معظم النظم السياسية العربية تفتقر إلى البيئة الديمقراطية الحقيقية والتي تعتبر في أي بلدٍ في العالم هي التربة الخصبة لنمو مؤسسات المجتمع المدني بشكل سليم وصحي وهي الوحيدة القادرة على منح المجتمع المدني صفة الفاعلية في أداء مهامه المجتمعية بصورةٍ صحيحة. وبالنظر إلى رأي المنظمات العالمية في مسألة المجتمع المدني العربي فإنها تعتبر الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط وبالأخص دول العالم العربي هي أنظمة (معظمها) غير ديمقراطية أو غير حرة وذلك حسب تصنيف بعض المنظمات العالمية التي تصدر تقارير سنوية متعلقة بهذا الشأن مثل: منظمة بيت الحرية (Freedom House). ونتيجة لوجود هذه البيئة السياسية ينتج تأزم حقيقي في العلاقة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وهذا التأزم في حقيقة الأمر يعود إلى أزمة ثقة متبادلة بين بعض الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، فالحكومات ترى في مؤسسات المجتمع المدني خطراً محتملاً يهددها. وبالمقابل فإن مؤسسات المجتمع المدني لا تصدق الحكومات التي تشكك هي الأخرى في مصداقية أعمال ونشاطات المجتمع المدني، فتتأزم العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني وتتسم بحساسية مفرطة قد تصل إلى مستوى العنف بين الطرفين في بعض الأحيان. وعلى مستوى دول الخليج العربي فإن مؤسسات المجتمع المدني كانت تسود المجتمع التقليدي في الخليج، لكنها كانت تأخذ طابعاً مختلفاً عن ما هو عليه اليوم. فقد كانت عبارة عن مجالس شعبية تقليدية تهتم بمناقشة بعض القضايا والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. كذلك يمكننا اعتبار القبيلة إلى حدٍ ما مجتمعاً مدنياً قائماً في الخليج العربي من خلال ما تقوم به من خدمات لأفرادها وتدافع عن حقوقهم وتسعى جاهدةً للحصول عليها وضمانها، ناهيك عن التنظيم الداخلي الذي تتمتع به والذي يتم من خلاله إدارة القبيلة، بالإضافة إلى رابط قرابة الدم بين الأفراد في نفس القبيلة التي تعد أساساً قوياً لبناء المجتمع المدني. وذلك لأن المشاعر والعلاقات الاجتماعية تنشأ من رابطة الدم والقرابة كما رأى ابن خلدون. وفي منطقة الخليج العربي يسود نوع من أنواع المجتمع المدني متمثلاً في جمعيات النفع العام التي يغلب عليها الطابع الخيري والإنساني لا الطابع السياسي. وفكرة المجتمع المدني الحديث كمصطلح لم تجد الترحيب الكافي في العالم العربي، بل كانت مثار جدل في الثقافة العربية، فتباينت حولها الآراء واختلفت، فبعضهم رفض فكرة المجتمع المدني رفضاً قاطعاً، وبعضهم قبلها قبولاً تاماً، بينما نرى اتجاهات تقبل فكرة المجتمع المدني بتحفظ، واتجاهات أخرى لا تعرف طبيعة المجتمع المدني، واتجاهات تقبله فكرةً، ولا تدركه ثقافةً. ومما يزيد الطين بلة ويعيق تحرك نمو منظمات المجتمع المدني في البلاد العربية وجود مشاكل مرتبطة بالمجتمع المدني ارتباطاً وثيقاً مثل: ضعف التماسك الداخلي لمؤسسات المجتمع المدني نتيجة لوجود بعض الانقسامات والانشقاقات داخل التنظيمات المدنية نفسها. كما تعاني أيضاً من قضية غاية في الأهمية ومصيرية بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني تتمثل في مسألة تمويل أعمالها. بالإضافة إلى نمط التمويل الأجنبي القادم من بعض الحكومات والهيئات الدولية. وهي دائماً ما تقدم هذه المعونات الخارجية إلى المنظمات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان مما يجعل الدولة تنظر بنوع من الشك والريبة إلى عمل هذه المنظمات وترى فيه باعثاً على عدم الارتياح تجاه هذه المنظمات. وبالرغم من هذا التباين والاختلاف في الآراء والذي يبين لنا أن المجتمع المدني يعتبر في حد ذاته تغييراً جديداً على الثقافة العربية في مرحله من المراحل والذي قوبل بالرفض أحياناً وبالقبول أحياناً أخرى، إضافةً إلى الإشكاليات والعقبات التي تقف أمام نموه وتطوره فانه لابد له من مواجهة هذه العقبات دعماً لمستقبل المجتمع المدني في بلادنا العربية وذلك لإيمان هذه المنظمات المدنية بأهمية الفرد في المجتمع ودوره المهم في دفع عملية الحراك الاجتماعي والتطور
المجتمع المدني - يطالب بحقوقه
الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق