المجتمع المدني - يطالب بحقوقه

الشيخ سلمان العوده - تعصب المجتمع المدني

الثلاثاء، 12 مايو 2009


أعمدة
نظام الجمعيات وقضايا المجتمع المدني في السعودية
نجيب الخنيزي


بعد غياب أو تغيب وتجاهل، واعتبارها من المسائل الهامشية والشكلية على مدى العقود الماضية، تبرز قضايا وإشكالات المجتمع المدني في البلدان العربية ومن ضمنها السعودية، باعتبارها مسألة حيوية وراهنة، لا تحتمل التأجيل والمراوحة، ناهيك عن الممانعة. خصوصا في ظل جملة المتغيرات والحراك الاجتماعي داخليا، والتحديات الإقليمية والعالمية، وتأثيرات ومفاعيل العولمة، وفي ضوء تزايد حالة التوتر والاحتقان، وانسداد الأفق وغياب الرؤية الاستراتيجية، وتعمق الأزمة المركبة للواقع بتجلياته المختلفة، وللبديل أو البدائل المقترحة على حد سواء، من خلال التكور على الذات والهروب إلى الماضي (السلفية) من جهة، أو الذوبان والهروب إلى الآخر (التغريب) من جهة أخرى.
وهنا لابديل عن البحث عن حلول جدية وحقيقية، لتبديد الالتباس، وتجاوز حالة انعدام الثقة، وتصويب الخلل، من خلال صياغة رؤية ومشتركات استراتيجية وطنية موحدة، تنطلق من الإقرار بقواعد ومشروعية التنوع والاختلاف، واحترام الهويات والفضاءات الثقافية المتعددة ضمن الهوية الثقافية والوحدة الوطنية الجامعة، والقبول بمبدأ ومشروعية تعدد قراءات الواقع، والتعايش مع الآخر المختلف، وترسيخ قيم التسامح والانفتاح والتعددية، والتأكيد على المشاركة الشعبية، وإطلاق حرية المجتمع في بناء تشكيلاته الأهلية، ومنظماته ومؤسساته المدنية المستقلة، وتعميق الفعل الثقافي، التنوير، والعقلانية المرتبطة ببيئتها التاريخية والثقافية والمجتمعية، وحاجات الشعوب العربية إلى الإصلاح الجذري، وتجاوز معيقات التقدم والتطور في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كل ذالك يتطلب تشكيل علاقات ومصالح ورؤى مشتركة ومتداخلة، تتسامى وتتعالى على العصبيات الفئوية الضيقة، والتي توفرها مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، باعتبارها سمة ملازمة للدولة الوطنية (الحديثة) وآلياتها المعروفة، المتمثلة في المواطنة، المجتمع المدني، الديمقراطية، العدالة، سيادة القانون، ومبدأ الفصل بين السلطات.
في زمن العولمة نشهد توجهات جدية، خصوصا في البلدان الغربية، لتجاوز مرحلة الافتتان بالدولة وتقديسها، وصولا إلى محاولة تهميشها وتحجيم وظيفتها السياسية (لتقتصر على وظيفة ضبط الحدود الوطنية والأمن العام)، وإنهاء أو تحجيم دورها الاقتصادي والاجتماعي، وبالشكل الذي تتصدر وتتسيد فيه جماعات القطاع الخاص من أرباب العمل والشركات متعددة الجنسية، والمنظمات الاقتصادية والمالية الدولية، ويتنامى فيها الدور الذي تلعبه مختلف تشكيلات المجتمع المدني من أحزاب سياسية، ومنظمات واتحادات نقابية ومهنية وثقافية، وتجمعات وهيئات لأنصار السلام، وحماية البيئة، والدفاع عن حقوق الإنسان، والمرأة، والشباب والفقراء، والعاطلين.
ويتواكب معه وجود اقتصاد قوي وديناميكي، وتقدم واسع في المجالات الصناعية والعلمية والتكنلوجية والثقافية. في حين تفتقر غالبية بلدان الأطراف (المحيط) والبلدان العربية منها خصوصا، لمتطلبات التنمية المستدامة، ولأسس العدالة الاجتماعية، ولمرتكزات المجتمع المدني، وتعيش على أرض الواقع مرحلة ما قبل الدولة/ الأمة. ورغم وجود مظاهر الوحدة الشكلية، بين تكويناتها الاجتماعية التقليدية الهلامية، إلا انه غالبا ما يسود الصراع والتناحر فيما بينها، وبالتالي لايزال أمام تلك البلدان، مهمة تجاوز الوحدة السياسية الجغرافية الشكلية، لتحقيق حالة أرقى، تتمثل في الوحدة الوطنية والمجتمعية، وتجاوز وتذليل الصعوبات والمعوقات الموضوعية والذاتية أمامها، وهو ما يتطلب بالضرورة، خلق مستلزمات الدولة الحديثة، والعمل على تطوير بنائها القانوني / المؤسساتي، وإتاحة المجال لبروز وتشكل مؤسسات المجتمع المدني كرافد أساس في الانبعاث والتشكل الوطني الجديد. لذا من الأهمية بمكان تلافي الثغرات والنواقص الجدية، التي تكتنف مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في السعودية، التي تطرق إليها كثير من ممثلي الرأي العام، دعاة الإصلاح وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، والكتاب والفاعليات الاجتماعية والثقافية والفكرية على اختلاف مشاربها الفكرية والثقافية، والتي نجملها على الوجه التالي: أتاح النظام المقترح صلاحيات واسعة للهيئة (الجهة الحكومية المشرفة) ومجلسها، من حيث تركيبتها، واشتراط حضور الرئيس (الذي هو عضو في مجلس الوزراء) المعين، الذي أجاز له النظام، حق تعين أعضاء المجلس، سواء الأعضاء الحكومين (6 أعضاء بمن فيهم الرئيس) أو ممثلي الجمعيات والمؤسسات (01 أعضاء) الأهلية، الذين يعينون جميعا، بقرار من مجلس الوزراء بناء على ترشيح رئيس مجلس الهيئة، كما يمتلك (الرئيس) صوتا ترجيحيا في حال تعادل الأصوات في المجلس، وفي الوقت نفسه لا يمتلك المجلس صلاحيات عقد اجتماعاته في غياب الرئيس. كما أعطى النظام لمجلس الهيئة، حصانة شبه مطلقة إزاء المسائلة عن أعماله، ناهيك عن المحاسبة، واشترط موافقة المجلس المسبقة، على قيام وتأسيس أي جمعية جديدة، وفي الوقت نفسه لم يلزمه بتحديد أمد ووقت معين للموافقة أو الرفض أو تبيان أسبابه، أو ضمان حق الاعتراض على قراراته بما في ذلك اللجوء للقضاء للفصل فيها، وهو ما يتعارض مع جاء في المواثيق العربية والإسلامية والدولية لحقوق الإنسان ألتي صادقت عليها المملكة، والتي كفلت بوضوح حرية وحق الأفراد في إنشاء الجمعيات والمنظمات والاتحادات أو الانضمام إليها. ومن الصلاحيات الواسعة التي انيطت بالمجلس، اعتماد اللوئح الأساسية للجمعيات والمؤسسات والاتحادات، وقرار البت في اندماج الجمعيات والمؤسسات، والرقابة ووضع القيود على جمع تبرعاتها المالية ونشاطاتها الخارجية.
كما تضمن النظام الجديد، حق مجلس الهيئة في تعليق نشاط الجمعية وحل مجلس إدارة أية جمعية أهلية وسريانه (مع وجود حق التظلم) بقرار مسبب مثل الخروج عن الأهداف والضوابط التي صيغت بلغة عامة وضبابية، يمكن تفسيرها وتوظيفها على أكثر من وجه. وختاما إذ أتطلع أن تأخذ هذه الملاحظات والتدقيقات بعين الاعتبار فإنه يتعين وقبل كل شيء، وخصوصا في ظل قيادة الملك عبدالله بن العزيز ومشروعه الإصلاحي، الحرص على إرساء منظومة الحريات والحقوق العامة للمواطنين، من خلال سن وتطوير التشريعات والقوانين الناظمة لها، لنتمكن من عبور البرزخ والانتقال ''من دولة الرعاية إلى نمط مجتمع الرعاية'' وفقا للتعبير الحاذق للدكتور خلدون النقيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق